حمولة ...

السؤال: هل الطائفيّة شرّ مطلق؟ وهل يمكن لأحد أن لا يكون طائفيّاً في عصر ازدهار وجنون الطائفيّات؟ وأين أصابت الدعوة الكريمة: (إسلام بلا مذاهب)؟ وأين أخطأت؟ (رائد الصدر، السعودية).

 
الجواب: إنّ الجواب عن سؤالكم يتبع طبيعة تعريفنا لكلمة (الطائفيّة):

1 ـ فإذا كان المقصود بالطائفيّة هو اختلافنا في الرأي وتعدّد قراءاتنا واجتهاداتنا في فهم الإسلام فروعاً وأصولاً، ودفاع كلّ واحد منّا عمّا يراه حقّاً من وجهة نظره، وعمله بما توصّل إليه، وحريّته في الإعلان عن انتمائه وتفكيره وممارسة نمط عيشه الديني وفق قناعته.. فإنّ هذه الطائفيّة قدرٌ لابدّ منه، بل هو تعبير تلقائي عن حركة التفكير الإنساني في النصّ وفي الوجود والحياة، وستكون الطائفية ـ بناءً على هذا التفسير ـ ظاهرةً دينية وغير دينية معاً، ففي العلوم الطبيعية والإنسانية هناك طائفيّات بهذا المعنى ومدارس ومذاهب واتجاهات. إنّ مشكلة بعضنا ـ ومنهم بعض أنصار اتجاه إسلام بلا مذهب الذي نافح عنه الدكتور الشكعة ـ يرون أنّ اختلافنا هو المشكلة، لكن ما يبدو لي أنّه الصحيح هو أنّ اختلافنا ليس فقط لا مشكلة فيه، بل هو عنصر خير ودليل تفكير وتعدّد اجتهادات وديمومة تأمّل. إنّني أعتقد أنّ مركز المشكلة ليس في اختلافنا حتى تكون الطائفية شرّاً أو نطالب بإسلام من دون مذاهب أو بفقه تلفيقي يلغي الفوارق في الاجتهادات ويرضي الجميع، وإنّما المشكلة في طريقة اختلافنا ونهجنا في التمايز الفكري والديني والمذهبي، وفي عدم اعترافنا ببعضنا بعضاً، وإلا فإنّ السعي خلف مشاريع نفي المذهبيّة هو سعي خلف سراب، وهو قراءة غير واقعيّة للحياة.

2 ـ امّا إذا كان المقصود بالطائفية الانتماء السلبي للأفكار والمعتقدات، فهذه الطائفيّة شرّ، وفي عالم الحياة الإنسانية يصعب أن تجد شرّاً مطلقاً، لكنّها شرّ، ومشروع الإسلام بلا مذاهب يصبح خيراً هنا. وأعني بالانتماء السلبي الذي يكوّن المعنى السلبي للطائفيّة ما يشتمل على عناصر عدّة أبرزها:

أ ـ التحيّز للفكرة التي أؤمن بها بحيث ألغي الأفكار الأخرى، ولا أفسح لها مجالاً للوجود، لا في عالم الفكر ولا في الحياة والواقع العملي.

ب ـ عدم فسح المجال لإمكانية وجود أخطاء في منظومتي المعرفيّة والعقديّة والفقهيّة، ومن ثمّ فهي كلٌّ لا يتجزأ، إمّا أن أقبل به كلّه أو يُرفض بأجمعه.

ج ـ التعامل بعدوانيّة مع المذاهب الأخرى، وهي العدوانية التي تتمثّل في عدم التماس العذر لها، وعدم الإقرار بحقّها في الاجتهاد الذي أخطأت فيه، وعدم الاعتراف بها في دنيا الفكر والممارسة.

د ـ القطيعة مع الآخر المذهبي، إمّا عبر إخراجه من الإطار الديني العام (التكفير) أو عبر قطع العلاقات معه إلا عند إرادتي حماية ذاتي (اللاندماج الاجتماعي).

هـ ـ تقديم انتمائي المذهبي على انتمائي الإسلامي بحيث لا تحفّزني عناصر الانتماء الإسلامي المشتركة بيني وبين غيري، فلا أعتني بعيد الفطر والأضحى مثلاً بقدر ما أعتني بأعيادي المذهبيّة، ولا يهمّني تاريخ المسلمين بقدر ما يهمّني تاريخ جماعتي المذهبيّة، ولا أستشعر التعاطف الروحي والقلبي مع المسلمين وإنّما أعيشه مع جماعتي المذهبيّة، ولا تستفزّني الإهانات التي تطال القضايا الإسلاميّة العامّة كالقرآن والنبي بقدر ما تستفزّني الإهانات التي تطال قضاياي المذهبيّة.

إنّ هذا المعنى للطائفية هو الذي يبدو لي مرفوضاً، فالمؤمنون والمسلمون أمّة واحدة، دماؤهم متكافئة، ولبعضهم على بعض حقوق، وهم أمّة واحدة دون الناس.

للشيخ حيدر حب الله

 




المستعمل تعليقات