حمولة ...

من أجل الوحدة الإسلامية كان نهج المدرسة الفقهية لآية الله بروجردي والبعض الآخر من فقهاء أهل السنة مثل الشيخ محمود شلتوت هو العودة إلى المصادر المشتركة العامة والخاصة، وهو الطريق الذي يمكن له أن يؤدي إلى زيادة التفاهم والتقارب بين المسلمين.

غلامرضا جلالي

 

من أجل الوحدة الإسلامية كان نهج المدرسة الفقهية لآية الله بروجردي والبعض الآخر من فقهاء أهل السنة مثل الشيخ محمود شلتوت هو العودة إلى المصادر المشتركة العامة والخاصة، وهو الطريق الذي يمكن له أن يؤدي إلى زيادة التفاهم والتقارب بين المسلمين.

كان آية الله بروجردي يعتقد: «فقه الشيعة على هامش فقه أهل السنّة» (1) وكان يقول: «كان فقه قدمائنا ناظر لفقه أهل السنة والعامة» (2) لقد أدى مبناه هذا إلى التعامل مع جامعة الأزهر و صدور تلك الفتوى التاريخية للشيخ شلتوت.

كان آية الله بروجردي يعتبر ان الاحاديث ناظرة للقضايا والآراء المطروحة في زمن صدورها ومن أجل الفهم الصحيح لها كان يعتبر أنه من الضروري الفهم الصحيح ومعرفة فتاوي العامة في ذلك الزمان- خاصة الفتاوي المشهورة التي كان الناس يتبعونها- كما كان يعتبر الرجوع إلى فتاوي أهل السنة من مقدمات الفقه ويقول: «لقد حفظ قدماؤنا القضايا الخلافية». لهذا السبب تمت لأول مرة طباعة كتاب الخلاف للشيخ بحواشيه و المقدمة. (3)

 

الإهتمام بفقه أهل السنة في حوزة أصفهان

 

يقال أن الفضل في طرز تفكيره هذا يعود إلى حوزة أصفهان و أستاذه محمد باقر درجئي. تعود جذور هذا الفكر في أصفهان إلى العهد الصفوي.

 لقد استمرت الوحدة و الإهتمام بفقه أهل السنة حتى وقت قريب في حوزة أصفهان. من بين ذلك كان الحاج رحيم أرباب يعتقد بذلك. كما أن شريعت أصفهاني وهو أستاذ ىخر لآية الله بروجردي كان يؤمن بذلك أيضاً.(4) وكان دليله أن المجتمع في ذلك العصر كان مجتمعاً إسلامياً والفتاوي المنتشرة هي لمفتي الحكومة مثل مالك، أبو حنيفة، الأوزاعي وابن أبي ليلى.

لقد ترعرع أصحاب الأئمة (ع) في نفس ذلك المجتمع وكان يتنقّلون في أجوائهم العلمية. كان رواة وأصحاب الأئمة(ع) ونظراً لتلك الفتاوي يسألون أئمتهم عن مسائل كما كانوا يجيبون بناءاً على تلك الفتاوي.

المؤيد الاول لهذا الأمر هي روايات الشيعة التي وردت غلى شكل سؤال من الأئمة. كان واضحا أن الناس العاديين لا يسألون هذا العدد من الأسئلة الدقيقة. لذا يتضح أن السائلين كانوا من أهل العلم و قد سمعوا تلك المسائل من فقهاء أهل السنة فكانو يسألون عنها إمام زمانهم.

المؤيد الآخر لتلك النظرية هو ان الكشي في كتابه اعتبر زرارة و محمد بن مسلم وعدد آخر من الفقهاء أصحاب الصادقين(ع) هم من أصحاب أبو حنيفة حيث كانوا سنّة وبسبب إرشاد هذان الإمامان الهمامان تشيّعا.

فهو يعتقد أنه في استنباط كل فرع، إذا كان مستنده رواية، يجب فحص زمن صدور الرواية من حيث وجود فقهاء العامة و آراءهم، خاصة في المدينة ومن حيث التلقّي الذي كان يستنتجه نفس الأصحاب والسائلين عن ذلك الفرع الفقهي ونفس هذا التلقّي هو السبب في سؤال الإمام. استمر هذا الفحص في الكتب الفقهية للقدماء إلى الأزمنة اللاحقة. هذا المبنى والرؤية تستدعي التتبع الكثير في آراء العامة وكلماتهم وكذلك التوقيت الزمني لتلك الآراء خاصة في زمن الصادقين.(5)

يقول أحد تلامذة آية الله بروجردي: «كان واضحاً لي مثل الشمس أنه أحياناً كان يجول في ذهن أصحاب الأئمة (ع) فقه العامة أكثر من فقه الخاصة وكان الأئمة مضطرون و بمشقة أن يدخلوا حق المطلب في ذهن أصحابهم. على سبيل المثال تعلّم زرارة مسائل الإرث بما يطابق فقه العامة وكان يعتبر نفسه عالماً بالفرائض حيث لم يكن يحتاج أصلاً لأن يسأل الأئمة عن تلك المسائل. عندما كان يسمع فتوى الإمام لا يهتم في البداية لأنه تكون على خلاف معلوماته. كان الإمام(ع) يغضب من زرارة ويقول له إنني عرضت لك مسائل الإرث من كتاب أمير المؤمنين (ع). عندها كان زرارة يصحو من وهمه بأن معلوماته حول الإرث كانت بلا أساس وعليه أن يفكر بمسائل الإرث من جديد. هذه الرواية وردت في الكافي وعلى ما يظهر في التهذيب»(6)

في رواية أخرى سأل محمد بن مسلم الإمام الصادق (ع) حول المسافة التي تؤدي إلى القصر: «قال سألته عن التقصير، قال في بريد. قلت في بريد؟) (7)

لقد بحث آية الله بروجردي بشكل تفصيلي لماذا سأل محمد بن مسلم الإمام بتعجّب هل بريد واحد هو حد التقصير. فقد اعتبر السبب في ذلك أنه كان يعيش في الكوفة وكان فقه العامة سائداً هناك وكان يعلم أن حد التقصير "مرحلتان" يعني ستة عشر فرسخ. عندما قال الإمام أربعة فراسخ كان ذلك محل تعجب و تساؤل لديه. فقال الإمام: قصدي بريد ذهاباً و بريد عودة وفي المجموع تصبح ثمانية فراسخ».(8)

 

الشيخ شلتوت

 

تمكّن آية الله بروجردي من فقه العامّة

الجانب الثاني هو تحديد أحاديث التقية. لم تكن التقية موجودة دائماً تجاه فقه و فقهاء العامة، بل كانت أحياناً تجاه حكام و قضاة الحومات. مثلاً معظم فقهاء العامة يعتبرون النبيذ حرام، ولكن بما ان الحكام كانوا يشربون الخمر فإذا كان لدينا حديث يدل على حلّية النبيذ فإنه يكون على سبيل التقية تجاه الحكّام غير الصالحين. (9) لم يكن آية الله بروجردي متمكنا فقط من فتاوي وأقوال أئمته الأربعة عشر بل كان ملمّاً أيضاً بآراء الصحابة و بقية فقهائهم مثل الأوزاعي، الثوري و ليث وكان يعتبر أن اختلاف آرائهم في قضية واحدة. هذا التمكن كان لدرجة أن عددا من فقهاء أهل السنة في لقائهم مع ذلك المرحوم كانوا يرونه أكثر تمكناً منهم بأقوال و آراء علماء العامة. (10)

وفي طرح المسألة من الجانب التاريخي كان يشرح أولاً آراء الصحابة والفقهاء بعد هاتين الدورتين، عندها كان يتناول آراء علماء الشيعة. وكأن الفقه والتاريخ وأدلتها كانت في يده كالشمع اللين. فعندما كان يتحدث عن الصلاة في الأماكن الأربعة كان يتحدث بشكل مفصل عن حد الحائر و المصير المغموم لهذا المرقد الشريف في عصر الخلفاء العباسيين. لم يكن له معرفة كافية بتاريخ الإسلام العام فقط، بل كان متمكناً بشكل كامل من تاريخ علم الكلام و تاريخ الحديث وتاريخ الفقه. (11)

 

المصادر:

1 – عين و مصباح المرجعية، حديث محمد واعظ زاده الخراساني / 84، بوستان كتاب، قم.

2 - نفس المصدر، لقاء مع مجتبي العراقي / 171.

3 - عين و مصباح المرجعية، لقاء مع محمد واعظ زاده الخراساني / 85.

4 - نفس المصدر 231 - 232.

5 - عين و مصباح المرجعية، مقال آية الله بروجردي في بروجرد، تأليف سيد جواد علوي / 340، بتصرف و تلخيص.

6 -  نفس المصدر / 141 - 145.

7 -  وسائل الشيعه، ج 5 / 496.

8 -  تقرير بحث السيد البروجردي، ج 2 / 387.

9 - الأسس الإجتهادية لآية الله العظمي البروجردي، حسين علي منتظري، مطبوع في مذكرات خاتمي / 144.

10 -  عين و مصباح المرجعية، مأخوذ من لقاء مع لطف الله صافي الكلبايكاني / 128.

11 - نفس المصدر، مأخوذ من لقاء مع السيد جعفر السبحاني / 182.

 

  

 

 




المستعمل تعليقات