حمولة ...

على مرّ التاريخ كلما كانت الأجواء بين الشيعة والسنّة أجواء هادئة كلما انتشر العزاء للإمام الحسين(ع) بين أهل السنة بشكل جدّي. لكن على مرّ التاريخ و كلما كبر الصراع بين الشيعة والسنّة مثل فترة الحروب العثمانية والصفوية فإن العديد من أهل السنة وعلى الرغم من محبتهم إلا أنهم لم يكونوا يشاركوا في عزاء الإمام الحسين(ع). والسبب في ذلك أن الشيعة قد استأثروا بعزاء الإمام الحسين(ع) لمصلحتهم.

 

 

 

 

   حجة الاسلام و المسلمين مهدي فرمانيان

أهل السنة يعتبرون محبة أهل البيت(ع) جزء من ضروريات الدين

يجب الفصل بين موضوعين. الأول موضوع حب الإمام الحسين(ع) والآخر موضوع العزاء له. فمحبة أهل البيت (ع) هي قضية تعتقد بها جميع المذاهب في الإسلام. المثير أن تعريف الناصبي لدى أهل السنة هو نفس تعريفه لدى الشيعة. يقولون الناصبي من كانت فيه صفتان: 1-بغض أهل البيت(ع) 2-إظهار ذلك البغض.

يعتبر علماء أهل السنة أن محبة أهل البيت (ع) جزء ضروريات الدين لذلك فإنهم يتعاملون مع النواصب بحزم.

على مرّ التاريخ أيضاً كتب العديد من علماء أهل السنة كتباً حول عزاء الإمام الحسين(ع) وكانوا يقيمون ذلك في منابر عزائهم. في هذه الأيام أيضاً أعرف علماء من أهل السنة يقرأون مرثية الإمام الحسين(ع) و يبكون.

فيما يخص عزاء الإمام الحسين(ع) هناك موضوعان. الأول موضوع معارضة الطلم والآخر هو أنه واحد من أئمة الشيعة. إن معارضة الظلم هي أهم قضية تناولها علماء أهل السنة على مرّ التاريخ وقد نظروا إلى عزاء الإمام الحسين(ع) من هذه الزاوية.

الغالبية العظمى من أهل السنة تعتبر يزيد ظالم

إن الغالبية الساحقة من علماء أهل السنة باستثناء قلّة قليلة لها توجهات أموية وعثمانية قد أعلنت صراحة أن يزيد ظالم و لذلك فإن ثورة الإمام الحسين(ع) ضده كانت ثورة عالم عادل ضد حاكم ظالم. لذلك يجب شرح هذه الثورة للناس لأن مواجهة الظلم إحدى المباديء الإسلامية.

الآن يقول بعض أهل السنة بصراحة أنه إذا كنا نثور على حكّامنا العلمانيين فإننا نقتدي بالإمام الحسين (ع).

طبعاً من هنا أنكر أهل السنّة على مدى التاريخ الثورة ضد الحاكم، فنوع تعاملهم مع الحاكم ليس من نوع الثورة بل من نوع المعارضة و الإنسحاب وعدم التعاون.

صحيح أن أهل السنة لا يقبلون الإمام الحسين(ع) كمعصوم إلا أنهم يقبلونه كعالم عادل ثار من أجل إحياء دين جده.

إن استئثارنا بعزاء الإمام الحسين (ع) ومسيرة الأربعين واعتبارهما خاصان بالشيعة له أضرار كثيرة. من بين تلك الاضرار أن الأشخاص الذين يشاركون في هذه المسيرة وليسوا شيعة يستاؤون من تصرفنا هذا. لانهم هم أيضاً يقبلون الإمام الحسين(ع) ويحترمونه احتراماً خاصاً. وربما لا يشاركون ثانية في هذه المسيرة.

حجة الإسلام بناهيان: ثورة عاشوراء ليست شيعية فقط (تحميل)

مصادره كردن امام حسين براي شيعه، ظلم به ايشان است

استئثار الشيعة بالإمام الحسين(ع) ظلم له

ورد حديث «ان الحسين مصباح الهدي و سفينة النجاة» في كتب الكثيرين من علماء السنّة كما أنهم يعتقدون أيضاً أن الحسين(ع) سفينة النجاة. بالطبع قد يكون تفسيرهم مختلف عن تفسيرنا. لذلك فإن الإستئثار بالإمام الحسين (ع) للشيعة هو ظلم لأهل البيت(ع) و للإمام الحسين(ع). لذلك عندما يرى سنّي أن الشيعة تستفاد من عزاء الإمام الحسين(ع) لصالح نفسها فإنه لن يشارك ثانية في تلك المراسم. إذا قمنا بمراعاة بعض الأمور ولو قليلاً فإن عزاء الإمام الحسين(ع) يمكن أن يكون من محاور الوحدة. على مرّ التاريخ كلما كانت الأجواء بين الشيعة والسنّة أجواء هادئة كلما انتشر العزاء للإمام الحسين(ع) بين أهل السنة بشكل جدّي. لكن على مرّ التاريخ و كلما كبر الصراع بين الشيعة والسنّة مثل فترة الحروب العثمانية والصفوية فإن العديد من أهل السنة وعلى الرغم من محبتهم إلا أنهم لم يكونوا يشاركوا في عزاء الإمام الحسين(ع). والسبب في ذلك أن الشيعة قد استأثروا بعزاء الإمام الحسين(ع) لمصلحتهم.

كلما كانت الصراعات تتراجع كلما كان عزاء أهل السنة يزداد!

منذ القرن 5 و 6 حتى عهد الصفويين حيث كانت الصراعات تقلّ بين الشيعة والسنة كان عزاء الإمام الحسين(ع) يزداد بين أهل السنة. المثال البارز على ذلك ملاحسين واعظ كاشفي الذي كان عالماً سنياً حنفياً كبيراً وكاتب كتاب «روضة الشهداء».

هذا الكتاب كانت مجالسه فوق المنبر حيث تم جمعها في كتاب. حتى الشيعة الأن تستخدم هذا الكتاب.

الطريف أنه عندما كان يأتي إلى مدينة بيهق (سبزوار) الشيعية كانوا يقولون له أنت سنّي وعليك أن تخرج من مدينتنا! بينما ذلك الشخص السنّي كان يقرأ للشيعة روضة الإمام الحسين(ع)!

وعندما يذهب إلى مدينة هرات السنّية كانوا يقولون له أنت شيعي! فقد كان يقرأ للسنّة أيضاً روضة الإمام الحسين(ع) ولأنه لم يكن يسيء لمقدسات أهل السنة فإن الكثيرين من أهل السنة أيضاً كانوا يشاركوا في مجالسه.

حتى اليوم في إيران و في مناطق الشيعة والسنة المشتركة، لو تم مراعاة بعض النقاط الحساسة لشارك أهل السنّة بكل سهولة في عزاء الإمام الحسين(ع). أحد أصدقائنا الذي ذهب إلى إحدى جامعات مناطق أهل السنّة كان قد شاهد أن الطلاب السنّة لا يشاركون في مراسم العزاء فسأل عن السبب؟ فقالوا له إن سلوك فلان في الجامعة يؤدي إلى استفزازنا وإثارة مشاعرنا لهذا السبب لا نشارك. فذهب وعالج تلك القضية المثيرة للحساسية. بعد ذلك كان يقول أنه في ليلة عاشوراء شارك 200 شخص من شباب أهل السنة في روضة الإمام الحسين(ع) وكان البعض يبكي.

روضه الامام الحسين «ع» بواسطة سنّي فلسطيني (تحميل)

عزاء الإمام الحسين (ع) يمكن أن يكون محور للوحدة

يعني لو قمنا بمراعاة بعض القضايا لكان من الممكن لعزاء الإمام الحسين(ع) أن يصبح أحد محاور الوحدة.

منذ القرن الثالث خاصة مع مجيء حكومتي آل بويه و الفاطميين إلى السلطة تم طرح عزاء الإمام الحسين (ع) بشكل رسمي في العالم الإسلامي. في القرنين التي كانت فيهما هاتين الحكومتين موجودتين أعلنا يوم عاشوراء يوم عطلة رسمية. في ذلك العهد كان العديد من أهل السنة يشاركون في عزاء الإمام الحسين(ع)، عندما كان الخليفة العباسي الذي كان من أهل السنّة يشارك في عزاء الإمام الحسين(ع) فإن العديد من العلماء و الناس العاديين السنّة كانوا يشاركون في العزاء أيضاً. على الرغم من أنه كان يوجد بعض الحنابلة المتعصبين أيضاً الذين كانوا يعارضون روضة الإمام الحسين(ع).

عبدالجليل الرازي القزويني هو عالم سني وصاحب كتاب «النقض» حيث كتب كتابه في نقد كتاب أحد العلماء المتعصبين حيث قال فيه أن عزاء الإمام الحسين(ع) غير جائز وأن أهل السنة يعتبرون ذلك بدعة.

كان عبدالجليل يذكر في جوابه اسم العديد من علماء أهل السنة الذين كانوا أنفسهم يقرأون روضة الإمام الحسين(ع). كتاب عبدالجليل تمت كتابته عام 560ق.

فيما يخص عزاء الإمام الحسين(ع) يوجد طيفين بين علماء أهل السنة. فمجموعة معظمها من الحنابلة يعتبرون عزاء الإمام الحسين (ع) بدعة. ومجموعة أخرى حيث هم حنفيون في الغالب و من بعدهم الشافعيين كانوا يؤكدون أن عزاء الإمام الحسين ليس فقط جائزاً بل يعتبرون ذلك من مصاديق الذكر و الإحتجاج على الظالم. على مرّ التاريخ كانت الغلبة للطيف الثاني الذي يعتبر العزاء جائزاً. لكن النقطة هنا هي أن معارضي العزاء كانوا دائماً وعلى مرّ التاريخ أقلية، أقلية مثيرة للضجة. مثل اليوم حيث السلفيون التكفيريون هم أقلية محضة ولكنهم يثيرون ضجة كبيرة.

غالبية علماء أهل السنة على طول التاريخ وعلى الرغم أنهم لم يكونوا يعتبرون العزاء من أجل الإمام الحسين(ع) مستحباً أو أنهم لم يكونوا يعملون به لكنهم على الأقل كانوا يعتبرونه جائزاً.

 

 

عندما يقيم أهل السنة عاشوراء بحماسة أكبر من الشيعة

لدى عبدالجليل القزويني في كتاب النقض عبارات مثيرة. يقول: «عندها من المعلوم أن الخواجه بومنصور ماشان (الإصفهاني) الذي كان قدوة مذهب أهل السنة في عصره كان يقيم كل عام هذا اليوم (عاشوراء) هذه التعزية ببكاء وحماس وحزن وكل من عاصره شاهد و علم ذلك.»(1)

ويتابع عبدالجليل مخاطباً ذلك العالم المنتقد للعزاء حيث يقول أنا و أنت كلانا من أهل الري و بالتأكيد فأنت رأيت أن الخواجة فلان زعيمك في السياسة والحكومة يقيم بنفسه مراسم العزاء.

ويتابع قائلاً: «وتعزية الحسين تتجدد كل عام في بغداد بالبكاء والصراخ» كان هذا الكلام يقال في وقت كان فيه السلاجقة يحكمون في بغداد وهم أهل سنّة.

الطريف أنه يتابع: «لكن همدان على الرغم من غلبة المشبّهة فإنهم من أجل حضور راية السلطان وعسكر الترك كان مجد الدين مذكر الهمداني يقيم كل عام في موسم عاشوراء تلك التعزية بشكل يتعجب منه القميون.»(2)

وفي الختام يقول أن الحنفيين كانوا يكشفون عن رؤوسهم في عزاء الإمام الحسين(ع) و يمزقون قمصانهم.

المصادر:

1 - عبدالجليل الرازي؛ النقض، ص 317

2 – نفس المصدر

 




المستعمل تعليقات