حمولة ...

سقطت الدولة العثمانية و قسمت البلدان الاسلامية بين الدول الاستعمارية الغربية. العرب لم ينالوا استقلالهم, و بدأ شبح الاستعمار الغربي يصير واقعا معاشا لهم. لقد بدأت أحلك فترة في تاريخ العالم الاسلامي, و قد بدأت أرضية تأسيس وطن لليهود في قلبه تتهيأ, و كانت في النهاية * اسرائيل *. لقد سلموا قبلة المسلمين الأولى للصهاينة و لم يتركوا شكلا من أشكال الظلم الا و مارسوه على المسلمين.

 

 

 

اسقاط الحكم العثماني بغية التسلط على العالم الاسلامي

أشعل نار النزاع و الاختلاف في داخل جبهة العدو حتى تتسلط عليه: * فرق تسد *, لقد كان هذا الشعار شعار بريطانيا التي حقيقة قد أحسنت تنفيذه في الواقع, و في النتيجة تسلطت علينا نحن المسلمون. دققوا في هذا المثال التاريخي:

لقد كانت الامبراطورية العثمانية أكبر عقبة في وجه تسلط الغربيين على العالم الاسلامي, العثمانيون الذين كانوا من الأتراك, كما تحالفت  في الحرب العالمية الأولى مع ألمانيا أيضا. هذان الأمران كانا العاملين الرئيسيين الذين جعلا الحلفاء الغربيين يعملون بكل قوتهم على أسقاط هذه الدولة.

لقد اتفق الحلفاء في معاهدة- سايس بيكو- السرية على ضرورة تقسيم الدولة العثمانية فيما بينهم, و كانت * القومية العربية * أفضل ذريعة توسلوا بها لبث النزاع بين العرب المسلمين و العثمانيين, وتهيئة الأجواء لإسقاط الحكم العثماني. و هكذا بدأت النزعة القومية العربية تنتشر شيئا فشيئا, و لقد كان المسيحيون العرب هم أول من بدأ بترويج هذه الفكرة, و كان طموحهم هو نفس طموح بني دينهم من الغربيين, فيما بعد التحق بهم فريق من المسلمين, و في الطرف المقابل بدأت راية القومية التركية ترفرف في الأفق.

خديعة البريطانيين للشريف الحسين بل و لكل العالم الاسلامي

بدأت وعود الثعلب العجوز في مقابل الانفصال عن العثمانيين, لقد تفاوض البريطانيون مع الشريف الحسين القائد المعنوي للعرب و شريف مكة, و وعدوه بمملكة متحدة و مستقلة للعرب فثار الشريف الحسين ضد العثمانيين بشرط الخلافة على كل العرب.

 

الصورة-لورنس العرب-

 

صار * لورنس* ممثلا عن البريطانيين في الثورة على العثمانيين, من جهة أخرى توصل * جمال باشا * الى اتفاق سري مع كل من  فرنسا و روسيا على تأسيس تركيا آسياوية تتألف من سوريا, فلسطين, بلاد ما بين النهرين, أرمينا وكذلك كردستان.

في عام 1917 قام الثوار البلشفيون الروس بفضح اتفاقية سايس-بيكو, لكن الشريف الحسين بقي واثقا جدا في وعود البريطانيين و لذلك رفض نصيحة جمال باشا بالاكتفاء بالحكم الذاتي على العرب. وعد بلفور بإعطاء فلسطين لليهود كان واضح المناقضة لوعود البريطانيين للشريف الحسين, لكنهم وعدوه مجددا بأن اليهود لن يضروا باستقلال العرب, و ما كان من شريف مكة الا أن صدقهم مرة أخرى.

كانت حصيلة مؤتمر * سان ريمو * متمثلة في الانتداب البريطاني على فلسطين و العراق, و كذلك الانتداب الفرنسي على سوريا و لبنان, لكن فيصل ابن الشريف الحسين و ملك سوريا كان يأمل في مساعدة البريطانيين لمواجهة الفرنسيين. رضخ فيصل لشروط الفرنسيين عجزا عن مواجهتهم, و قبل بالانتداب و اعطاهم طريق القطار حلب-حمص-حماة, و حل الجيش العربي. لكن و رغم كل ذلك احتل الفرنسيون دمشق و أخرجوا فيصل منها مهزوما.

 

 

نتيجة النزاع داخل العالم الاسلامي هي تسلط الغرب

رغم أن الخدمات الجليلة التي قدمها الشريف الحسين و أبنائه لبريطانيا  لم تحقق حلم خلافتهم على كل العرب, الا أن فيصل صار ملكا على العراق, و عبد الله على ما وراء الأردن. حقيقة كان المخطط البريطاني ينجز بشكل جيد: تقسيم و اسقاط الدولة العثمانية القوية و بالنتيجة التسلط على البلدان الاسلامية.

في سنة 1924 ألغي نظام الخلافة العثمانية بشكل رسمي, و أعلن الشريف الحسين خلافته بعد ذلك مباشرة, و بدأت حربه مع آل سعود, خسر الشريف الحسين الحرب و تركه البريطانيون بلا مساعدة, و ذهبت الأحلام أدراج الرياح.

 سقطت الدولة العثمانية و قسمت البلدان الاسلامية بين الدول الاستعمارية الغربية. العرب لم ينالوا استقلالهم, و بدأ شبح الاستعمار الغربي يصير واقعا معاشا لهم.

لقد بدأت أحلك فترة في تاريخ العالم الاسلامي, و قد بدأت أرضية تأسيس وطن لليهود في قلبه تتهيأ, و كانت في النهاية * اسرائيل *.

لقد سلموا قبلة المسلمين الأولى للصهاينة و لم يتركوا شكلا من أشكال الظلم الا و مارسوه على المسلمين.

في الحقيقة كانت بداية الاستعمار الأروبي في القرن 16 م, لكن وجود ثلاث قوى عظمى تمثلت في العثمانيين و الصفويين, وأيضا الجوركانيين في الهند جعلت العالم الاسلامي يفلت من قبضة الاستعمار لفترة ليست بالقصيرة.

قضى البريطانيون على الجوركانيين, و تنازل الصفويون عن حكم ايران للقاجار الضعفاء و المتخاذلين, و أخيرا كان سقوط الخلافة الاسلامية أي الامبراطورية العثمانية, و أبتلع المستعمرون العالم الاسلامي مثل اللقمة السائغة.

صورة – فيصل و عبد الله ابني الشريف الحسين-

 

بصيرة العلماء الشيعة و دفاعهم عن العثمانيين كان مضربا للمثل

لم تكن الدولة العثمانية مرحبا بها لدى المسلمين خاصة الشيعة منهم, لكن العلماء الشيعة كانوا يعلمون أن العثمانيين مهما كان سوؤهم فهم أفضل حالا من الكفار الظلمة و المستعمرين الغربيين. لهذا السبب أكد علماء كبار أمثال الآخوند الخراساني, السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي, محمد حسين الحائري و غيرهم على وجوب الدفاع عن العثمانيين و أصدروا حكما بالجهاد ضد الاستعمار الاوربي.-1-

من الواضح أن البلدان الاسلامية كلما صارت أصغر و كلما تشتت قواها, تضائلت قدرتها على مواجهة الغربيين أكلة العالم, لهذا السبب يسعى الغرب جاهدا الى تقسيم العالم الاسلامي. في الماضي كان احياء النزعة القومية هو الوسيلة في تحقيق ذلك أما اليوم فهو تقوية الخلاف ما بين الشيعة و السنة. أليست علائم ذلك في سوريا و العراق و اليمن واضحة و جلية؟

-1- محمد حسين اميراردوش: تأملات في قضية الوحدة الاسلامية منذ القديم و الى غاية الأمس. منشور مجمع التقريب بين المذاهب الاسلامية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 




المستعمل تعليقات