حمولة ...

كما أن هناك علاقة بين «الوقائع» و «الأفكار» فإن هناك علاقة أيضا بين «الحركات الإجتماعية» و «الأفكار». أحيانا يتعرض فكر بواسطة حادث ما للنمو أو الأفول و أحيانا يؤدي إلى تشكل حركة اجتماعية.

من هنا نلاحظ أحياناً أن اغتيال ما، أو حرب أو سلام ما يساعد على ازدهار أو أفول حركة فكرية ما. من البديهي أنه لو لم تكن تلك الأفكار موجودة في الطبقات الإجتماعية السفلى فإنها لن تظهر و تتجلى في الفرص و الأحداث التاريخية.  خلال القرن الماضي شاهدنا أن الأفكار الغربية، القومية و الإسلامية كانت موجودة في أوساط المجتمعات الإسلامية كما أن بعض الأحداث قد هيأت الظروف لظهورها و تجليها. مثلاً مع انتصار ناصر في عام 1956 ساعد على انتشار القومية كما أن انتصار الثورة الإسلامية في عام 1979 قد ساعد على نمو الإسلامية. كما أن كلا الحدثين قد ساعد على تشكل بعض التيارات السياسية الإجتماعية.

صحيح أن الأحداث تؤثر على نمو و أفول الحركات الإجتماعية لكن الشيء الذي يبني أساس حركة ما هو النظرية أو الفكر الخاص. من هنا نجد أحيانا أن وقوع بعض الأحداث التاريخية لا يؤدي إلى حصول نتائج كافية و وافية لأنه لا يوجد فكرة اجتماعية مناسبة تساعد على تحولها إلى مقولة أو نظرية عامة. مثل ثورة 1963 التي قام بها الإمام و التي و بسبب انعدام الفكر الذي يؤمن بإمكانية الثورة قد جعلها تتأخر 15 عام لتجني ثمارها.

بعبارة أدق فإن في الطبقات السفلى لكل ظاهرة خارجية اجتماعية تتشكل فكرة و في الطبقات الاعلى يمكن للأحداث أن تلعب دوراً محفّزاً إيجابيا أو سلبياً في تشكّل التيارات.

من هذه الجهة و بشهادة التاريخ فإنه كلما أفل نجم التيارات العقلانية سواء المعتزلة أو الإمامية أو التيارات الباطنية سواء الصوفية أو العارفين في المجالات العلمية و ازدادت قوة الإخباريين كلما شاهدنا و بشكل تلقائي في التيارات الإجتماعية نمو  التيارات التكفيرية و التطرف السلفي حيث كانت الحكومات في بعض الأحيان هي المحفّز وراء تسريع انتشار هذه التيارات.

فعندما تنضج الأخبارية و السلفية و تتبلور في مدرسة كلما تعرض الفلاسفة و العقليون المسلمون للضعف. دقيقاً مثل الحقبة التي كانت الحكومة السلجوقية تدعم كتب و أفكار الغزالي و تصطدم بالمتصوفة، فقد تشكلت التيارات المتطرفة و لو لم تكن جهود الشيخ الطوسي موجودة لازداد تعقيد عريضة العقلانية و لبقي الإفراطيون يحكمون لعدة قرون.

من هنا يمكن أن نستنتج أنه طالما بقي لسنوات الفكر الوهابي المحارب للعقل و بسبب المصالح السياسية للبعض و بدعم مالي و إعلامي فإنه يجب علينا أن ننتظر ظهور تيارات اجتماعية تماثل ذلك أيضا حيث نشاهدها اليوم على شكل مجموعات تكفيرية. بالطبع ليس السبب الوحيد لنمو هذه التيارات هو الفكر الوهابي.

من هنا و إذا أردنا أن نتعامل مع هذه «الظاهرة الاجتماعية» بشكل مناسب فعلينا أن نعلم أنهم لا يحتاجون لذريعة من أجا تبرير أعمالهم العنيفة و من الأفضل بدل أن نتطرق «لأسبابهم» أن نتأمل قليلاً «بسبب» نموهم. إن علاقة هذه الحركات مع عللها  هي علاقة ذاتية و وجودية و علاقتها بدليلها علاقة عرضية! كم هو جيد أن نستهدف عمق هذا الجذر.

بالرغم من أن ا إزالة الذرائع التي تتذرع بها الوهابية مثل إفراط بعض الشيعة يمكن أن يقلل من سرعة انتشارها إلا أن هذه الظاهرة لن تزول عن أرض الواقع. مادام هؤلاء الأشخاص يستقون من مصادر فكرهم فإن إعادة إنتاجهم محتملة. فطالما أن هذا الفكر موجود فإن تجلياته ستشاهد في مكان ما و بالطبع عندما يلاقون الدعم المناسب فإن نموهم سيتسارع!

إن نشر التصوف و الفلسفة الاسلامية الأصيلة المطابقة للتعاليم القرآنية الأصيلة و الروائية في الحوزات العلمية للشيعة و أهل السنة- سواء في إيران أو في بقية المناطق- هي من استراتيجيات استئصال هذا الفكر المتطرف و أبنائه التكفيريين.

طالما أن «العقلانية» هي أسلوب تفكير الأشخاص، فإن سلوكهم الشخصي و الإجتماعي أيضاً سيكون مترافقاً «بالحوار» «التسامح» و «رفض التطرف» و بالطبع فإن الظواهر الإجتماعية المتطرفة و التكفيرية ستجد مجالاً أقل للظهور.

 




المستعمل تعليقات