حمولة ...

السؤال: ما هو المقصود من النواصب؟ وما هو العداء الذي ينصبونه لأهل البيت عليهم السلام؟ وما هو حكم الشرع فيهم من جهة هل أنّهم مسلمون أو لا؟ وكذلك نجاستهم؟

الجواب: مصطلح النصب والنواصب ليس مصطلحاً شيعيّاً أو إماميّاً فقط، بل هو مصطلح إسلامي عرفه جمهور علماء الإسلام عبر التاريخ، ولكنّ دراسة هذا المفهوم وآثاره الفقهيّة لعلّها كانت واسعةً بشكل أبرز بين الشيعة، وسأشرح ما يتعلّق بسؤالكم ضمن محورين:

المحور الأوّل: معنى النصب والنواصب

اختلف الفقهاء في معنى النصب والنواصب، وذلك على خطوط ثلاثة أساسيّة:

الخطّ الأوّل: في تحديد الطرف الآخر الذي يتمّ العداء معه، وهنا يوجد رأيان بارزان:

 

 

الرأي الأوّل: وهو الرأي الذي يرى أنّ الناصبي هو الذي يعادي أهل البيت أنفسهم، فبدل أن يُبدي المودّة ويكنّ المحبّة لهم، فهو يظهر العداء ويبطن البغض لهم، وهذا الرأي يجعل طرف المعاداة هم أشخاص أهل البيت عليهم السلام، فالناصبي يعادي عليّاً بشخصه، ويعادي الحسن والحسين وزين العابدين وفاطمة و..

وهنا، لا يقصد الإماميّة من معاداة أهل البيت سوى مفهومهم الخاصّ لأهل البيت، وهم النبي والسيدة الزهراء والأئمّة الاثنا عشر عليهم السلام، لا غير، بينما يرى كثير من الشيعة غير الإماميّة وجمع من أهل السنّة أنّ أهل البيت إمّا هم مجرّد القرابة القريبة منه والتي كانت في زمنه أو ما يقارب زمنه مع نسائه وزوجاته، أو هم مطلق ذريّة النبيّ أو العلماء من ذريّته بوصفهم ذريّة النبيّ. ولهذا يحسب بعض الباحثين المعاصرين الشيعةَ الإماميّة على النواصب؛ لأنّهم يعادون بعض ذريّة النبيّ ممّن خالفوا الأئمّة الإثني عشر، وقد جرت بيني وبين بعض الباحثين المحبّين لأهل البيت من أهل السنّة مناقشة شخصيّة في هذا الموضوع، وكان مصرّاً على هذا الرأي.

كما قد نجد كلاماً هنا في أنّ معاداة أهل البيت هل يُقصد منها خصوص معاداة جميعهم، أو أنّ الأمر يشمل معاداة أيّ واحدٍ منهم، فلو عادى الحسين عليه السلام دون غيره فهل هو ناصبي أو لا؟ والمعروف هو الشمول؛ لأنّ حكمهم واحد، وإن كان المقدار المتيقّن في كلماتهم هو من عادى عليّاً أو عادى مجموع أهل البيت عليهم السلام.

وعندما نقول كلمة (معاداة)، فنحن لا نقصد إنكار فضيلة أو التشكيك بمنصب لأهل البيت منحهم الله إيّاه، فهذا لا علاقة له بمفهوم المعاداة عند جمهور العلماء، نعم يوجد رأي أثار جدلاً كبيراً وطرحه بعض علماء الإخباريّة من الإماميّة، ومن أبرزهم الشيخ يوسف البحراني رحمه الله (1186هـ)، وينسب لغيرهم من العلماء أيضاً، ويذهب إلى انطباق عنوان النصب على جميع المخالفين للإماميّة على الإطلاق، عدا قليل من المستضعفين منهم، وأنّ كلّ من قال بتقدّم أحدٍ على الإمام عليّ فهو ناصبي، ويوجد كلام كثير في تفسير مراد هؤلاء العلماء فيما قالوه، وقد حاول بعض علماء الإخباريّة إثبات أنّ مشهور متقدّمي الشيعة كان على تفسير الناصبي بهذا المعنى الذي يعدّ من أوسع المعاني التي طرحت في التراث الإماميّ، وقد تعرّضت هذه النظريّة لنقد واسع جداً من قبل أغلب العلماء الذين أتوا بعد عصر البحراني رحمه الله، ولهذا انعقد الاتفاق تقريباً على طهارة المخالفين مطلقاً عند العلماء مستثنين منهم النواصب، ولم تتمّ الموافقة على الاستدلال بنجاسة الناصبي على نجاسة مطلق المخالف، بل تمّ التمييز بينهما.

الرأي الثاني: وهو الرأي الذي يقول بأنّ الناصبي هو الأعم من الذي يُبدي العداوة لأهل البيت عليهم السلام أو لشيعتهم من حيث هم شيعة لأهل البيت ومتبعون لهم، فهذا الشخص يعادي الشيعة؛ لأنّهم شيعة أهل البيت، ويحارب أتباع عليّ وآل علي؛ لأنّهم يشايعون علياً وآل عليّ عليهم السلام.

ومن الواضح أنّ الرأي الثاني أوسع دائرة ـ على مستوى الواقع الخارجي ـ من الرأي الأوّل، فمن يعادي شخص الإمام عليّ هم أقلّ بطبيعة الحال ممّن يعاديه أو يعادي شيعته من حيث اتّباعهم له، ولهذا يقلّ عدد النواصب على الرأي الأوّل، ويزداد نسبيّاً على الرأي الثاني، وهناك من يرى أنّ كلّ من يعادي الشيعة لتشيّعهم فهو في واقع حاله يعادي أهل البيت أنفسهم وإن لم يُظهر ذلك، وهو ما تفيده بعض الروايات أيضاً، ويعدّ هذا الرأي جسراً للإخباريين الذي وسّعوا مفهوم النصب، حيث يقولون بأنّ كلّ المخالفين يعادون الشيعة، وعليه فهم نواصب.

وعلى هذا الخطّ، فأغلب العلماء المتأخّرين والمعاصرين يميلون إلى الرأي الأوّل هنا، وهو أنّ الناصبي من يعادي أهل البيت لا مطلق من يعادي ولو شيعتهم دون أن يعادي أهل البيت أنفسهم.

الخطّ الثاني: في تحديد نمط العداوة ونوعها، وهنا ظهر فريقان أساسيّان أيضاً:

الفريق الأوّل: وهم الذين قالوا بأنّ النصب هو المعاداة تديّناً، بمعنى أنّ هذا الشخص يقوم بمعاداة أهل البيت مثلاً معتقداً أنّ ذلك شريعة دينيّة وأمر ديني مطلوب منه، فهو يدين الله بمعاداتهم، ويتعبّده ببغضهم، وعندما نقول: (معاداة) فنحن لا نقصد إنكار فضيلة أو التشكيك بمنصب لأهل البيت منحهم الله إيّاه، فهذا لا علاقة له بمفهوم المعاداة لهم عليهم السلام، فقد لا تؤمن بفضيلة ثبتت لأهل البيت، لكنّك تحبّهم وتودّهم وتعترف لهم بالمنزلة عند الله، فلا ينبغي الخلط بين الأمور هنا.

وهذا المعنى للمعاداة إذا ربطناه بالرأي الأوّل المتقدّم، فسيصبح عدد النواصب قليلاً جدّاً، وسنكتشف أنّ النواصب جماعة دينيّة ظهرت في العصر الأموي والعباسي، وكانت ترى أنّ الله يتعبّد الخلق ببغض علي وآل عليّ، تماماً كما يرى بعض الشيعة من أنّ الله تعبّدهم ببغض بعض الصحابة، وأنّ هذا أمر ديني، بل بعضهم يراه شأناً اعتقاديّاً.

وبناءً على وجهة نظر هذا الفريق، ستكون العداوات التي تقع بين أهل البيت وخصومهم نتيجة تنافس سلطوي أو حسد أو مصالح دنيويّة، مغايرة لمفهوم النصب الشرعي الذي تترتّب عليه آثار شرعيّة، فلو حارب طلحة والزبير عليّاً فهذا وإن كان مخالفاً للشرع، لكنّه لا يعبّر عن نصب العداء لعليّ تديّناً بالضرورة، إذا انطلق من مجرّد مصالح شخصيّة ورغبة في الوصول إلى السلطة، ولهذا ذهب كثيرون ـ مثل الإمام الخميني والشيخ حسين الحلي والشيخ فاضل اللنكراني والسيد موسى الشبيري الزنجاني ـ إلى نفي عنوان النصب الذي تترتب عليه آثار شرعيّة عن كثير من المعارضين لأهل البيت في زمانهم نتيجة انطلاق معاداتهم من عناصر دنيويّة وليس من اعتقاد دينيّ، على خلاف الجماعات التي عرفت في العصر الأموي والعبّاسي والتي كانت ترى معاداة أهل البيت شريعةً من شرائع الله سبحانه.

الفريق الثاني: وهم الذين يرون أنّ مفهوم النصب أعم من المعاداة المنطلقة من دافع ديني وتلك المنطلقة من دوافع أخر ولو كانت دنيويّة، فإنّ النصوص مطلقة وينبغي الأخذ بإطلاقها، وبهذا يدخل كلّ الذين عادوا أهل البيت عبر التاريخ ـ ولو لمصالح دنيويّة وسلطويّة ـ في مفهوم النصب، وتترتّب عليهم أحكام النواصب.

الخطّ الثالث: في تحديد العداوة بين الحالة القلبيّة والحالة الإبرازيّة، وهنا يلاحظ وجود من طرح التمييز التالي:

أ ـ إنّ الناصبي هو الذي يبغض ويعادي بوصف ذلك حالة قلبيّة، سواء أعلن ذلك وأشهره، بحيث صار يعرف به، أو لا، فلو علمنا أنّه ناصبي ولكنّه كان ساكتاً بالإجمال العام فهو ناصبي تترتّب عليه أحكام النواصب.

ب ـ إنّ الناصبي ليس مطلق من عادى أهل البيت عليهم السلام، بل لابدّ فيه من أن يكون مبرزاً ذلك ومعلناً لنصبه وعدائه لهم، وإلا سمّي منافقاً بحسب تعبير الوحيد البهبهاني؛ لأنّ عنوان النصب عندهم يتضمّن الإعلان والإشهار، وإلا لم تترتّب عليه أحكام الناصبي، وهذا ما ذهب إليه كثير من الفقهاء ـ بل لعلّه المشهور ـ ومنهم الشهيد الثاني والسيد الخميني والسيد الكلبايكاني والسيد السيستاني والشيخ الصافي الكلبايكاني وغيرهم، ولعلّه يظهر أيضاً من بعض فتاوى الشيخ جواد التبريزي رحمه الله.

ووفقاً لهذا كلّه يرى بعضهم أنّ المقدار الأبرز للنواصب في التاريخ هم الخوارج الذي أعلنوا معاداتهم لعليّ عليه السلام تديّناً واعتقاداً، وإن كان الفقهاء كثيراً ما يميّزون في الفقه بين عنوان الخارجي والناصبي.

المحور الثاني: حكم النواصب من الناحية الشرعيّة.

في هذا المحور يوجد مدخلان أساسيّان لتحديد الموقف من النواصب، وهما:

المدخل الأوّل: وهو مدخل الكفر، فقد وقع بحث بين الفقهاء في أنّ النصب هل هو كفر، فيكون الناصبي كافراً وخارجاً من ملّة الإسلام أساساً، ومن ثمّ نطبّق عليه أحكام الكافر أو لا؟ فإذا قلنا هو كافر ترتّبت عليه أحكام الكافر في كلّ شيء إلا ما خرج بالدليل، ولو قلنا بنجاسة الكافر فسيكون الناصبي نجساً بشكل تلقائي.

وفي هذا السياق، ذكر موضوع أساسي ومفصلي لإثبات كفر النواصب، وهو أنّ الناصبي منكر لضرورة من الضروريّات الدينيّة، وهي حبّ أهل البيت ومودّتهم، ومنكر الضروري كافر، وهذا معناه كفر الناصبي، وخروجه من الإسلام.

وقد تعرّض هذا المدخل للموضوع لمناقشات متعدّدة، لا أقلّ من حيث إنكار جمهور المتأخّرين من العلماء فكرة كفر منكر الضروري، إذا لم يلزم من إنكاره تكذيب النبيّ في رسالته، والمفروض أنّ الناصبي يعتقد أنّه يعمل بأمر النبيّ في معاداته لأهل البيت، فضلاً عن الناصبي الذي ينصب العداء لسبب دنيوي، فهو لا يلتفت أساساً لقضيّة محبّة أهل البيت من ناحية عقديّة، نعم هو يعصيها من ناحية عمليّة، وهذا ليس بكفر. ومن هنا ذهب كثير من العلماء المتأخّرين الذين اعتبروا المعيار في الإسلام هو الشهادتين، إلى كون النواصب مسلمين وليسوا بكافرين، غاية الأمر أنّه لا يمنع أن تترتب عليهم بعض الأحكام إذا دلّ الدليل عليها.

المدخل الثاني: النصوص الخاصّة الواردة في النواصب، والتي تثبت نجاستهم وغير ذلك من الأحكام المتعلّقة بنفوسهم وأموالهم، وهنا يقال بأنّنا نحكم بنجاسة الناصبي مع حكمنا بكونه مسلماً، إذ ـ كما يقول السيد الصدر ـ لم يثبت بدليلٍ معتبر طهارة كلّ مسلم بالضرورة بحيث لا يمكن التفكيك، وعلى هذا الرأي يكون الناصبي نجساً و.. لكنّه مسلم من حيث الانتماء لأمّة المسلمين، فكما وجب قتل القاتل، كذا جاز قتل الناصبي عند من يقول به، وهكذا.

وفي عصرنا الحاضر وما قاربه، يذهب أغلب علماء الإماميّة إلى نجاسة الناصبي، مثل السيد الخوئي، والسيد الخميني، والسيد اليزدي، والسيد موسى الشبيري الزنجاني، والسيد محسن الحكيم، والسيد أبي الحسن الإصفهاني، والسيد علي السيستاني، والسيد المرعشي النجفي، والشيخ محمد تقي بهجت، والسيد عبد الأعلى السبزواري، والشيخ جواد التبريزي، والشيخ الوحيد الخراساني، والشيخ محمد أمين زين الدين، والسيد محمّد رضا الكلبايكاني، والشيخ محمد علي الأراكي، والسيد صادق الشيرازي، والسيد صادق الروحاني وغيرهم. إلا أنّ بعضهم يرى طهارته مثل السيد محمّد باقر الصدر، والسيد محمود الهاشمي، والشيخ محمد إسحاق الفياض. ويرى السيد محمد سعيد الحكيم أنّ الناصبي نجس على الأحوط وجوباً إذا أنكر الضروري بالطريقة التي توجب كفر منكر الضروري، والظاهر منه أنّه من دون ذلك فهو طاهر؛ لأنّ السيد محمد سعيد الحكيم ممّن يرى بأنّ نجاسة الإنسان مسألة احتياطيّة. كما أنّ كل من يقول بطهارة الإنسان مطلقاً يقول هنا ـ تلقائيّاً ـ بطهارة الناصبي مثل الشيخ محمد إبراهيم الجناتي، والسيد محمد حسين فضل الله، والشيخ ناصر مكارم الشيرازي، والسيد محمد جواد الغروي الإصفهاني، والشيخ الصادقي الطهراني، والسيد محمّد محسن الحسيني الطهراني وغيرهم.

مصدر:الموقع الرسمي للشيخ حيدر حب الله http://hobbollah.com




المستعمل تعليقات