حمولة ...

قاسم جواد صفري؛ عضو الهيئة العلمية لجامعة الأديان و المذاهب

نقاط عامة

منذ البداية كان من أهم أهداف الأنبياء إصلاح الأخلاق على مستوى المجتمع. للأسف فإن قسم من الزعماء الدينيين و أتباعهم أيضاً لا يراعون الأخلاق الحسنة  في مواجهة الآخرين. إنّ استعراضاً تاريخياً لمواجهة المذاهب مع بعضها لا يعطينا صورة جيدة عن هذا الموضوع. إن دراسة الأديان غالباً ما تترافق بنوع من سوء الظن، سوء الفهم و أحياناً إهانة الآخرين.

إن أول هدف للأنبياء بعد التوحيد كان الأخلاق. لقد بدأ رسول الله(ص) دعوته بعبارة «قولوا لا إله إلا الله تفلحوا». ثم قال بعد ذلك: «بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق». إن كافة من يدّعون اتّباع رسول الإسلام يجب أن يلتزموا بهذين الأصلين إن كان ادّعاءهم الديني صادق.

يخاطب الإمام علي(ع) ولده الإمام الحسين(ع) حيث يقول: « يَا بُنَيَّ اجْعَلْ نَفْسَكَ مِيزَاناً فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ غَيْرِكَ فَأَحْبِبْ لِغَيْرِكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ وَاكْرَهْ لَهُ مَا تَكْرَهُ لَهَا» يبدو أنه لو كان يتم الإلتزام بهذه العبارة في المواضيع الأخلاقية لتم إصلاح العديد من الإنحرافات السلوكية لدى المسلمين.

افترض أنه في وقت ما كان من المفترض أن يقوم شخص ما بدراسة مذهبنا. إننا نحب أن يهتم بكافة جوانب المذهب و أن يمتلك نظرة منصفة. لكن كيف لنا عندما نريد أن ندرس مذهباً آخر أن ننسب كل ما نريده إلى ذلك المذهب؟

يقول الله تعالى في القرآن الكريم: «وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى». بناءاً على هذه الآية  القرآنية فحتى العداوة أيضاً لها معيار. فالعداوة لا تجيز الحرمان من العدالة و لا تجيز الظلم و التعدّي.

هذه هي توصيات القرآن الكريم حول المشركين. لنفترض أن مسلمي الفرق الأخرى هم مثل المشركين. فعندما يكون واجب علينا مراعاة العدالة في شأن المشركين فإنه و بطريق أولى يجب مراعاة العدالة بالنسبة لمسلمي الفرق الأخرى أيضاً. بينما نرى أن أحد التكاليف التي حددها القرآن الكريم هي أن نصنع من الأعداء أصدقاء، لكن عكس ذلك يحصل عملياً بشكل كبير حيث نقوم بتحويل الأصدقاء مجموعات مجموعات إلى أعداء!

أخلاق نقد المذاهب

إن أول نقطة يجب مراعاتها في أخلاق نقد المذاهب هي عدم العمل على أساس الظن. تماماً كما أمر القرآن الكريم: « وَ لاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ»، « و إن الظن لا يغني من الحق شيئا»، « إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ.»

إن القرآن يأمرنا أن نتّبع العلم. لذلك فإنه من الواجب عندما نريد القيام بنقد مذهب أن نتأكد و نتيقن أن مثل هذه النقطة هي في الواقع موجودة في ذلك المذهب. مع «قالوا» و «كتبوا» لا يمكن الوثوق بشيء.

 بمجرد أنني قد رأيت في أحد الكتب أمراً عن فرقة ما، فليس مسموح لي أن أنسب ذلك الأمر إلى الفرقة كلها. لأنهم كثيراً ما يكون أتباع تلك الفرقة أنفسهم لا يقبلون بذلك الأمر.

نستطيع أن ننسب شيئاً إلى فرقة ما عندما نكون قد قمنا بواحد من هذين الأمرين:

1-أن نتأكد من أن ذلك الكتاب هو من الكتب المقبولة لدى تلك الفرقة. بالطبع من الممكن أن يكون أصل الكتاب يحظى بالقبول لكن كافة مواضيع هذا الكتاب ليست مقبولة عند تلك الفرقة.

مثلاً كتاب «الكافي» هو من الكتب المقبولة لدى الشيعة، لكن كافة علماء الشيعة لم يقبلوا أبداً بكافة مواضيعه. لذلك مع مراعاة كافة المعايير فإننا نبيّن أولاً أننا قد رأينا ذلك الموضوع في ذلك الكتاب. ثانياً نقوم بنقد الكتاب بمقدار الكتاب نفسه لا أن نقوم بنسب ذلك الكتاب إلى الفرقة بأكملها.

2-من أجل إبداء الرأي و النقد يجب أن ننظر في كافة كتب و مؤلفات مذهب ما. طبعاص بما أن هذا الأمر صعب فإننا نقترح الطريقة الأولى.

من المواضيع الأخلاقية  الأخرى التي يجب مراعاتها في مجال النقد و عدم مراعاتها سيؤدي إلى إلصاق صفات مجحفة هو الوثوق بالفهم الدقيق لكلام شخص ما.

في العديد من الحالات و بعد الفحص يتضح أن الشخص الذي يقوم بالنقد غير مستوعب بشكل صحيح للعبارة التي يقوم بالبحث حولها.

إن أحد الأسباب الأساسية وراء هذا الإستنتاج الخاطيء و عدم الفهم الصحيح للمواضيع هو أن العديد من الأشخاص و أثناء دراسة أعمال معارضيهم قليلاً ما يفكرون في الفهم الحقيقي للكتاب و منذ البداية يسعون وراء العثور على نقاط ضعفه.

ليعرف كلٌّ مذهبه

في بعض الحالات نقوم بنقد مذهب الآخرين بينما تلك الحالات موجودة في مذهبنا نفسه. إذا قمنا بنقد الآخرين و نحن ملمّين بنقاط ضعفنا فإننا سنحرم من الوصف الاخلاقي للصدق. إن  الصدق من أهم الأصول الأخلاقية في النقد. في البداية يجب علينا أن نعرف أنفسنا و نقاط ضعفنا كما يجب أن نعمل على إصلاح أنفسنا. أساساً لو قام كل واحد من المذاهب و بدلاً من التطرق للآصلاح الآخرين بالتطرق لإصلاح نفسه لكانت الأوضاع الحالية للمجتمع البشري اليوم أفضل مما هي عليها.

 معرفة كل مذهب

إن العديد من الأخطاء الغير أخلاقية التي تحصل أثناء نقد المذاهب ناتجة عن الخلط بين المذاهب. فمثلاً لدينا عدة أنواع للشيعة و عدة أنواع لأهل السنة. في داخل هذه المذاهب هناك تنوّع في العقائد و الأفكار.

أحياناً يقومون بنقد مذهب بدل مذهب آخر كما ينسبون انتقادات هذا المذهب إلى مذهب آخر. يجب علينا أن لا نتذرع بأن كافة أهل السنة هم واحد، فنقوم بناءاً على ذلك بتعميم النقد الذي نراه على المذهب المالكي و نسبته إلى المذهب الشافعي أيضاً.

الفصل بين المواضيع النظرية و الضرورية

إذا كان مجال المواضيع نظرياً فإن هناك مجالاً لإيجاد وجهات نظر متعددة حيث أن اختلاف القدرات و تفاوت الفهم هو أمر طبيعي. يجب علي أن لا أعتبر أن الفرضيات الذهنية المسبقة الموجودة لدي هي ضروريات بالنسبة للمذاهب الأخرى ثم أقوم باتهامهم بإنكار الضروري.

يعتقد العلامة الطباطبائي أن كل مذهب يقوم بنفسه بتعيين ضروريات مذهبه. و من هنا «فإن الشخص الذي ينطق بلسانه بالشهادتين و ينكر الشيء الذي ليس حسب عقيدته من ضروريات الدين، هو مسلم و ليس كافر».

 طريقة مواجهة المعارضين

حتى هنا كان الموضوع يتعلق بأصل فهم المذاهب و فصل المواضيع عن بعضها البعض. الآن يصل الدور إلى كيفية المواجهة:

إذا كان هدفي الهداية فإن ذلك النقد يجب أن يتم بصورة تجعل ذلك الشخص يهتدي. هل شاهدتم حتى الآن شخص قد اهتدى من خلال الكتابات المليئة بالإهانة؟

لنفترض أن صاحب أحد المذاهب قد سار في طريق خاطيء و من الضروري أن يعود عن ذلك الطريق. و أنا أشعر أيضاً أن من واجبي أن أقوم بإصلاحه. فهل القيام بهذا العمل ممكن من خلال كلام مسيء و غير لائق؟

من الممكن أن يكون هدف النقد هو البحث الصحيح و بالتأكيد فإنه في التحقيق ليس هناك حاجة للحدّة و الألفاظ النابية. ربما لا يكون الهدف من النقد الهداية و لا البحث حيث أن العديد من الحالات من هذا القبيل. بحيث أن الشخص قد أمسك القلم بيده، جلس في غرفته و بدأ يكتب كل ما يحلو له. كتابات تثير مكامن الحقد و الضغينة في قلوب أتباع المذاهب الأخرى و في معظم الأحيان فإت العديد من الحروب الطائفية قد اندلعت من جرّاء هذه الكتابات.

إن هذه الكتابات تقضي على الفرص الثمينة، كما تذهب بثروات المسلمين أدراج الرياح و تجعلهم منهمكين بأنفسهم. لدرجة أنهم يصبحون مرتاحين البال و الخاطر من جهة غير المسلمين، لكنهم لا إرادياً يدركون أن الكثير من المصائب التي حلّت بهم كانوا غافلين عنها تماماً. 




المستعمل تعليقات