حمولة ...

سمعنا كثيراً أن أنصار التطبير يذكرون عنوان «مهانة التطبير» باستهزاء و يقولون أن استهزاء الآخرين لا يؤدي أبداً إلي حرمة الأحكام الإسلامية؛ لأن الكفار يستهزئون و يستخفون بالعديد من الأحكام و القوانين الإسلامية مثل الحجاب و الحدود والقصاص فإذا أردنا أن نعطي لاستخفافهم هذا شأناً فينبغي تعطيل جميع الأحكام والقوانين الإسلامية. تماماً كما قال القرأن الكريم حول هذا: «وَ لَنْ تَرْضي عَنْكَ الْيَهُودُ وَ لاَ النَّصاري حَتَّي تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ.» (البقره، ۱۲.) و في الجواب علي هذه الشبهة يجب القول:

حجة الاسلام مهدي مسائلي

سمعنا كثيراً أن أنصار التطبير يذكرون عنوان «مهانة التطبير» باستهزاء و يقولون أن استهزاء الآخرين لا يؤدي أبداً إلي حرمة الأحكام الإسلامية؛ لأن الكفار يستهزئون و يستخفون بالعديد من الأحكام و القوانين الإسلامية مثل الحجاب و الحدود والقصاص فإذا أردنا أن نعطي لاستخفافهم هذا شأناً فينبغي تعطيل جميع الأحكام والقوانين الإسلامية. تماماً كما قال القرأن الكريم حول هذا: «وَ لَنْ تَرْضي عَنْكَ الْيَهُودُ وَ لاَ النَّصاري حَتَّي تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ.» (البقره، ۱۲.) و في الجواب علي هذه الشبهة يجب القول:
إن عنوان المهانة له معاني مختلفة من السخرية؛ بمعني أن مهانة التطبير تتعلق بأثاره السلبية علي عقائد و أفكار الأشخاص أعم من المسلمين و غير المسلمين و تسبب كراهيتهم و اشمئزازهم من الإسلام والشيعة. إذاً التطبير و بدل أن يرغّب العالم بالإمام الحسين عليه السلام و ثورة عاشوراء فإنه يؤدي إلي إضعاف مذهب الشيعة في عيون العالم و يكون السبب في اتّهام الشيعة بالعنف و الهمجية والخرافات. لذلك حتي إذا قبلنا أن هذا العمل هو نوع من العزاء ولم نقبل بالأدلة الأخري التي تم الإتيان بها علي حرمته فإن ترك ذلك أهم من القيام به بكثير. باتلطبع من الممكن أن تكون هذه النظرة التشهيرية تستتبع سخرية الأخرين أيضاٌ لأن الإستهزاء والسخرية من حيث الفرق الإسلامية الأخري أو من جهة الملل والأديان الأخري علي قسمين:  

1.سخرية باطلة وغير عادلة: السخرية والإستهزاء الذي يكون فقط من جهة عدائهم لنا وليس ناتجاً عن عيب أو نقص فينا، هذا النوع من الإستهزاء ليس له أي تأثير وهو لا يذكر؛ مثل أن يقوم أتباع المذاهب والأديان الأخري بالسخرية من أعمالنا العبادية. هذا النوع من السخرية ليس ناتجاً عن وجود عيب و نقص في المؤمنين أو في الدين نفسه.

2.السخرية لجهات واقعية: بعض السخريات لها جهات واقعية و تسبب هتك الحرمة والسخرية الواقعية بالشريعة والدين. لذلك إذا حصل في حالة ما أنّ تطبيق عنوان كلي علي مصداق خارجي سيؤدي إلي السخرية الواقعية فيجب تحريم ذلك و تجنّب القيام به. مثلاٌ إذا كان تطبيق عنوان العزاء الكلي علي مصاديقه الخارجية مثل التطبير سيؤدي إلي هذه السخرية فإن القيام بهذه المصاديق سيكون حرام شرعاً.

نعم، نحن لا نخاف من استهزاء العدو بل نخشي من إظهار الإسلام بشكل سيء للشعوب. نحن نخاف أن يصبح إصرارنا علي بعض الأعمال المبتدعة التي لا جذور لها ذريعة بيد العدو فيقوموا باستغلال ذلك لينفّروا الشعوب المتعطشة للإسلام من ذلك.

هل للسخرية من الكفار دور في تغيير أسلوبهم؟

لقد اتضح أن عنوان إهانة المذهب بالتطبير يختلف عن موضوع سخرية الأخرين؛ لكن هل حقيقة ليس للسخرية من الأخرين أي دور في تغيير الممارسات والسلوك الديني والمذهبي للمسلمين؟!

الحقيقة هي أن الإسلام لم يقف مكتوف الأيدي تجاه سخرية واستهزاء الأخرين حيث اتّبع سياسات مختلفة في تعامله مع المستهزئين. لأنه إذا اعتراض و رفض أو سخر الكفار من أحد التعاليم و القوانين الإسلامية الثابتة والتي لا تقبل التغيير فإنه من الضروري ضمن عدم الإهتمام بالسخرية و الأمور الهامشية أن نقوم بمواجهة المستهزئين بمنطق علمي و مستدل. لكن عندما يقوم الأعداء باستخدام أمور غير أصيلة وغير مرتبطة بفكر الإسلام و التشيع بتهميش التعاليم الإسلامية بهدف التقليل من تأثيرها علي أفكار العالم فإن التأكيد علي مثل هذه التصرفات من قبل المسلمين يمثل أكبر خدمة دعائية لأعداء الإسلام والتشيع.

إذاً هناك فرق بين السخرية من ذات الإسلام، يعني واجبات و محرمات الإسلام و بين الإستهزاء بالأمور المباحة. ففي الواجبات والمحرمات تستدعي الضرورة أن نؤكد علي موقفنا و أن نتعامل بشكل حازم و قوي مع المستهزئين؛ لكن في الأمور المباحة ليست الحالة كذلك. عندما يصبح عملاً مباحاً ذريعة للأعداء ليقوموا بالسخرية من المسلمين و إضعافهم بهذه الطريقة فإن مهمة كل مسلم أن يتجنب مثل هذه الأعمال. هذه حقيقة تمت الإشارة إليها بشكل جيد في آيات القرآن. تماماً كما نري في الأية 104 من سورة البقرة حيث يحذّر المؤمنين من استخدام كلمة «راعِنا» ويقول: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاتَقُولُوا راعِنا وَ قُولُوا انْظُرْنا وَ اسْمَعُوا وَ لِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ»

يمكن أن نفهم جيداٌ من هذه الآية أنه يجب علي المسلمين أن ينتبهوا جيداً لبرامجهم كيلا يعطوا للأعداء ذريعة أبداً و ليحترزوا حتي عن قول عبارة قصيرة يمكن أن تكون موضوعاً يستغله العدو. يوصي القرأن بصراحة من أجل التصدّي لاستغلال المعاندين للمؤمنين و أن يتجنبوا حتي عن قول كلمة مشتركة يمكن أن يقصد منها العدو معني أخر فيتناولها لإضعاف معنوية المؤمنين. إن نطاق الكلام و مجاله واسع لذلك ما هو الداعي ليستخدم الإنسان عبارة يمكن أن يحرّفها العدو ويستخدمها للسخرية. والحالة هكذا أيضاً فيما يخص العزاء. لا شك أن عزاء الإمام الحسين عليه السلام هو من الأوامر المؤكدة التي لن يقصّر الشيعة في القيام بها أبداً. الجميع يعلمون أن التيبير ليس سلوكاً فرضته الشريعة الاسلامية المقدسة علي الناس بل هو أسلوب قام بعض الناس العاديون والغافلون بإدخاله علي العزاء. إذاً عندما يمكن أن نعزّي بطرق صحيحة و مناسبة ليس لها تلك الآثار السلبية فما الحاجة لأن نعتمد علي أعمال لا يمكن تبريرها حتي للمسلمين فكيف بالكفار الذين يتصورون أنه عمل خرافي و جاهل.

في النهاية يجب أن نعلم أننا ملتزمون بالدفاع عن الإسلام الذي نزل علي قلب الرسول الأكرم سيدنا محمد صلي الله عليه و أله وسلم و أبلغه للناس. إن معيار صحة وقداسة أي عمل هو هذا الأمر. لكن الأشياء التي لا تمثل الحقيقة الخالصة للإسلام، فلأنها من الأمور الزائدة و المحرّفة أو لأنها من الأساليب التي تختلف قيمتها و اعتبارها بحسب اختلاف الأوضاع والأحوال الزمنية والإجتماعية فإنه ليس لدينا أي التزام لتنسيق حياتنا معها ناهيك عن أن نكون نريد الدفاع عنها. لأنها ليست من أصول الإسلام ولا من فروعه بل يجب أن تتم دراستها و نقدها بناءاً علي المعايير الإسلامية الصحيحة ليتضح أنها تصب في المصلحة أم لا. المقدسات الدينية هي نفس الحقائق الأساسية التي تصمد أمام النقد و لا تتبع أي شيء سوي الحجة والدليل. من هذا الطريق يمكن نحمي الإسلام من التحريف و التلوث و المعايير من الإنحراف و الحاضر والمستقبل من التقيد بالأمور المادية التي نستأنس بها. إذا أردنا أن لا يتحول الدين إلي تقاليد و عادات لاقيمة لها و أن يحافظ علي قيمته الفكرية والعقلية فإن هذا هو الطريق.

 

ترجمة: د.كامل سماعيل

 




المستعمل تعليقات