حمولة ...

يجب أن تبني المجموعات الإسلامية علاقاتها بناءاً علي حسن الظن أن المجموعات الإسلامية يجب أن تقوم تعاملاتها علي أساس حسن الظن و أن لا تهتم بالتهمة طالما أن التحقيق فيها لم يثبت شيئاً ، فلا يعتبر الشيعة أن جميع أهل السنة متطرفون و سبب للقتل، ولا أن يعتبر أهل السنة أن جميع أهل الشيعة عامل للإساءة لمقدساتهم! كما أن مصير الإفتراءات مثل أن أهل السنة نواصب أو وجود قرآن آخر لدي الشيعة والتي لا أساس لها في الواقع سيتضح بطريق أولي.

علي بهادرزاني، طالب علوم دينية في حوزة قم العلمية

التهمة بعنوان أفة اجتماعية (و ليست أخلاقية بحتة) من أمضي أسلحة أعداء الحق علي مرّ التاريخ عموماً و في مسير الرسل الإلهيين بشكل خاص. لقد رسم القرآن الكريم أمثلة واضحة من هذه الإستفادة للمسلمين، فمن اتّهام النبي نوح (علي نبينا و آله و عليه السلام ) بالجنون حتي الإفتراء علي محمد المصطفي (صلي الله عليه و آله وسلم) بدنه شاعر و كاهن. للأسف فإن مثل هذا السلاح مازال مؤثراً في بعض الأحيان حيث يقع أتباع الرسل الإلهيين في الخطأ أيضاً، إن نفي تهمة الكفر بواسطة القرآن عن سيدنا سليمان (علي نبينا و آله و عليه السلام) هو أوضح دفاع عن رسول تجاه أخوانه (اليهود).(1)

إن الآيات والأحاديث التي وردت عن التهمة- والتي هي ناتجة عن اهتمام الإسلام الكامل بالآثار المدمرة لهذه الظاهرة الإجتماعية-إضافة إلي التحذير الموجود حول ذلك: « قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه و آله‏ مَنْ‏ بَهَتَ‏ مُؤْمِناً أَوْ مُؤْمِنَةً أَوْ قَالَ فِيهِ مَا لَيْسَ فِيهِ أَقَامَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى تَلٍّ مِنْ نَارٍ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَهُ فِيه‏ »(2) كما أنها تبيّن معارف أخري أيضاً يمكن تقسيمها إلي ثلاثة مجموعات:

الطائفة الأولي من الآيات والأحاديث تتعلق بشرح منشأ البهتان، ومن هنا فإن البهتان إما ناتج عن عوامل خارجية ومع العلم ببراءة الشخص المتّهم، أو ناتج عن جهل من قام برمي التهمة. اعتبر القرآن أن  منشأ الإتهامات غير الصحيحة هو الظن والوهم و من هنا يُبتلي الكثير من الناس بهذا النوع من البهتان، كما نهي في حالات عديدة عن الظن والوهم: :« يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْم‏ » (3). من الواضح طبعاً أن ظهور الوهم و الظن ليس بإرادة الإنسان (علي الرغم من أن مقدماته يمكن أن تكون أحياناً اختيارية) والمعني الذي ترمي إليه الآيات هو ترتيب الأثر والإهتمام بهذا النوع من الظنون، كما يصرّح الله سبحانه وتعالي في هذه الآية: « وَ لا تَقْفُ‏ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ » (4) . في موضع آخر يؤنب القرآن الكريم علي تصديق سوء الظن: « وَ ظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَ كُنْتُمْ قَوْماً بُورا » (5). و يقول في وصف المشركين: :« إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُون‏ »(6).

بشكل مختصر فإن ما يهدف إليه الدين في هذا المجال هو القضاء علي منشأ البهتان و إيجاد أرضية للحياة الإجتماعية الأخلاقية.

الطائفة الثانية من المعارف الإسلامية تبيّن ما يجب علي الشخص الذي يتعرض للتهمة، فالإسلام و في إطار السعي من أجل القضاء علي منشأ التهمة ينهي الأشخاص بشدة عن القيام بأي عمل يجعلهم موضعاً للتهمة يقول علي عليه السلام: َ إِيَّاكَ وَ مَوَاطِنَ‏ التُّهَمَةِ- وَ الْمَجْلِسَ الْمَظْنُونَ بِهِ السُّوءُ » (7) . من منظور الدين فإنه إذا قصّر مثل هذا الشخص في اجتثاث الأرضية التي أدت إلي التهمة فإن له يد في التهم الموجهه له: « أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ع قَالَ: مَنْ دَخَلَ مَوْضِعاً مِنْ مَوَاضِعِ‏ التُّهَمَةِ فَاتُّهِمَ لَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ. »(8).

الطائفة الثالثة من المعارف الإسلامية تبيّن ما يجب علي سامع التهمة، فبعد أن بذل الإسلام مساعيه للقضاء علي البهتان بشكل عام- عن طريق القضاء علي منشأه وأصله- فإنه يصبّ جهوده علي عدم السماح بانتشاره؛ بعبارة أخري في الدرجة الأولي يبني الإسلام علي أن لا يقيم أعضاء المجتمع الإسلامي توجيه الإتهامات في تعاملاتهم، لكن في الخطوة الثانية و مع فرض صدور الإتهامات من بعض المسلمين فإن الإسلام يصبّ جهوده كلها علي إطفاء شعلة تلك النار. فالإسلام و علي عكس الإعتقاد السائد لا يعتبر أن مهمة سامعي التهمة هو الصمت و التسليم لعلم الله! بل إنه يصرّح بأن واجب المسلم في مواجهة التهمة الموجّهة لمسلم آخر هو تكذيب تلك التهمة. يمكن أن نري المثال الكامل علي تلك السيرة في قصة «الإفك»(9).  فالله سبحانه وتعالي يبدأ الآيات المتعلقة باتّهام زوجة الرسول الأعظم ( صلي الله عليه و آله وسلم) بتبيين نقطة استراتيجية: « إِنَّ الَّذينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ».

لقد اعتبرت الآية الكريمة أن الذين جاؤوا بالتهمة هم مجموعة متصلة ببعضها (عصبة) . يعني هو يصرّح أن هناك في المجتمع الإسلامي مجموعات تتابع الأحداث و الأمور بأهداف خاصة وهذا الإفك ناتج عن مثل هذا النهج وليس عن جهل أو غفلة. ثم يقول سبحانه وتعالي: «إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً ». نفهم من هذا التعبير الإلهي نقطتين هامتين: الأول هو أن الإيمان ملاك الوحدة. و النقطة الثانية هي عندما يعتبر المؤمنين أنفسهم نفس واحدة فإنه يجب علي كل مسلم أن يعتبر أن سمعة جميع المؤمنين هي سمعته، طبعاً في مثل هذه الرؤية للعالم لا يمكن امتلاك شيء سوي حسن الظن كما أنه لا يمكن حمل الأعمال إلا علي أحسن وجه. القسم التالي من الآية يكمّل مهمة المسلمين و هي أن عليهم تكذيب تلك التهم التي تواجههم:  «... وَ قالُوا هذا إِفْكٌ مُبين‏ ».و هو الأمر الذي انقلب للأسف بين المؤمنين في المجتمعات الإسلامية و في النهاية فإنهم تجاه الإتهامات التي يسمعونها يقولون: ــ«لا أعلم الله يعلم». ففي الظاهر يوكلون الأمر لله لكنهم يكونوا مصدقين بشكل ضمني. وفي نهاية الآيات يبيّن الله تعاليبشكل صريح  تلك المهمة مرة أخري و هي أنه يجب علي المؤمنين منع طرح مثل هذا الكلام: « وَ لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ » . ثم أن يقوموا بتكذيب ذلك: « ... هذا بُهْتانٌ عَظيم‏ ». وهو نهج يؤدي تركه و قلبه للأسف إلي أضرار كبيرة تحيق كل يوم بالمسلمين و تسبب لهم أضرار كبيرة.

 مع الأخذ بعين الإعتبار هذه المعارف الإسلامية يتضح أن المهمة الأولي في المجتمع الإسلامي اليوم تتعلق باهتمام وسائل الإعلام والمؤثرين في هذا المجال ليتجنبوا توجيه التهمة لبقية المسلمين و نشر الكراهية عن طريق الحرية لتي يمتلكونها؛ علي الرغم من أن هذا العمل ناتج عن الظلم و جور الطرف المقابل. لا يجرمنكم. لكن يجب عدم تجاهل الواجبين الآخرين أبداً، الأول هو أن المجموعات الإسلامية يجب أن تقوم تعاملاتها علي أساس حسن الظن و أن لا تهتم بالتهمة طالما أن التحقيق فيها لم يثبت شيئاً فلا يعتبر الشيعة أن جميع أهل السنة متطرفون و سبب للقتل، ولا أن يعتبر أهل السنة أن جميع أهل الشيعة عامل للإساءة لمقدساتهم! كما أن مصير الإفتراءات مثل أن أهل السنة نواصب أو وجود قرآن آخر لدي الشيعة والتي لا أساس لها في الواقع سيتضح بطريق أولي. والمهمة الثانية هي أن تعمل المجموعات الإسلامية علي إزالة الأرضية التي تسبب التهمة. إن فتاوي آية الله الخامنئي و الكثير من مراجع الشيعة في حرمة الإساءة لمقدسات أهل السنة إلي جانب فتاوي أعلام مثل شيخ الأزهر في تحريم دم الشيعة هي خطوات كبيرة في طريق هذه المهمة الإسلامية علي الرغم من أن الأمر يتطلب بذل المزيد من جهود المتولّبن و زيادة النشاطات الإجتماعية لأتباعهم حول نشر هذه الآراء.

المصادر:

.1 سوره البقره، الآيه 102

.2 عيون اخبار الرضا عليه السلام،ج 2 ، ص 33

.3 سوره الحجرات، الآيه 12

.4 سوره اسراء ، الآيه 36

5 . سوره الفتح ، الآيه 12

6. سوره الانعام ،الآيه 116

.7 امالي المفيد، ص 222

8.امالي الصدوق، ص 497

.9  قصة الإفك من أكثر الأحداث التعليمية التي وقعت في صدر الاسلام وفيها أن إحدي زوجات النبي قد تعرضت لتهمة غير لائقة و انتشرت تلك التهمة بين المسلمين، بيّن الله تعالي في الآيات 11 حتي 17 من سورة النور قبح هذه التهمة و واجب المسلمين في مواجهتها.

 

ترجمه: د.كامل اسماعيل

 




المستعمل تعليقات